بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد......
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان كثير العبادة.. لا ينام الليل إلا قليلاً .. حتى سموه (( الوتد ))
لكثرة صلاته... يبكي حتى
يسمع جيرانه بكاءه فيشفقون عليه مما هو فيه من خوف ووجل من الله !!
أيها المسلمون...
يقول بعض من معاصري الإمام..(كان أبو حنيفة طويل الصمت كثير التفكر..دقيق
النظر في الفقه، لطيف الاستخراج في العلم والبحث..لا يطلب المال على
تعليمه..وإن كان الطالب فقيرا أغناه وأجرى عليه وعلى عياله حتى يتعلم..
فإذا تعلم قال له أبو حنيفة.. قد وصلت إلى الغنى الأكبر.. معرفة الحلال
والحرام..وكان كثير العقل قليل المجادلة....
كان أبو حنيفة يهتم بمظهره.. فيكثر التعطر..ويرى وقوراً حليماً..كما كان
كريماً..وتاجراً
أميناً.. ظل يعمل بتجارة الخز طول حياته في دكانه المعروف بالكوفة...
وكان واسع الصدر هادئ الطبع في حديثه.. وكان يخاف عاقبة الظلم .. لذا رفض
تولي
القضاء، للخليفة المنصور العباسي .
ذكر الذهبي بسنده إلى مجالد قال..(كنت عند الرشيد إذ دخل عليه أبو يوسف أحد
تلاميذ أبي حنيفة فقال له هارون.. صف لي أخلاق أبي حنيفة.. فقال أبو
يوسف.. كان والله شديد الذب عن حرمات الله، مجانبًا لأهل الدنيا.. لم يكن
مهذاراً ولا ثرثاراً..إن سئل عن مسألة كان عنده بها علم أجاب..وما علمته يا
أمير المؤمنين إلا صائناً لنفسه ودينه.. مشتغلاً بنفسه عن الناس..ولا يذكر
أحداً إلا بخير.. فقال هارون الرشيد..هذه أخلاق الصالحين).......
مولد الامام..
**********
كان الأب (ثابت)تاجراً غنياً أسلم فحسن إسلامه.. قيل.. إنه التقى بالإمام
علي بن أبي
طالب رضي الله عنه.. فدعا له الإمام ولذريته بالخير والبركة..واستجاب الله
الدعاء.. ورزق الله ثابتاً بطفل أسماه النعمان وكناه (أبا حنيفة النعمان بن
ثابت)..وكانت ولادته سنة ثمانين
للهجرة بمدينة الكوفة..............
في طريق العلم..
************
تلقى أبو حنيفة العلم على يد شيوخ وأساتذة كبار.. منهم.. فقيه الكوفة (حماد
بن أبي
سليمان)..و( الإمام جعفر الص ادق) و(عطاء) و(الزهري) و(قتادة) وغيرهم..
وكان (حماد ) من أكثر شيوخه الذين يحبهم..وبعد موت حماد جاء الناس إلى (أبي
حنيفة ) يطلبون منه أن يعلمهم أمور دينهم.. فقبل أبو حنيفة..وأخذ يدرس
للناس حتى اشتهر فقهه بين البسطاء والأمراء..لكنه لم ينس فضل شيخه وأستاذه (
حماد ) بل ظل يدعو له حتى قال أبو حنيفة..( ما صليت قط إلاودعوت لشيخي
حماد ولكل من تعلمت منه علماً أو علمته).....
قوام الليل..
*********
سمع أبو حنيفة رجلاً يقول لآخر.. هذا أبو حنيفة لا ينام الليل...
فقال.. والله لا يتحدث عني...
بما لم أفعل..فكان يحيي الليل صلاة وتضرعاً..وكان يتورع عن القسم خشية
الهلاك..حتى إنه جعل على نفسه إن حلف بالله صادقاً أن يتصدق
بدينار............
استاذ الاحناف..
************
أبو حنيفة مؤسس المذهب الحنفي.. وقد انتشر مذهبه في العراق والهند وبلاد
الم شرق.وتأخذ
مصر بمذهبه في قانون الأحوال الشخصية .
يقول عنه الشافعي..(الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة)وقال عنه النضر بن
شميل..
كان الناس نياماً في الفقه حتى أيقظهم أبو حنيفة..وقيل : لو وزن علم الإمام
أبي حنيفة بعلم أهل
زمانه.. لرجح علمه عليهم .
وقال عنه ابن المبارك..(ما رأيت في الفقه مثل أبي حنيفة )..وقال عنه يزيد
بن هارون..(ما
رأيت أحداً أحلم من أبي حنيفة)...........
اخوة الايمان....
كان أبو حنيفة رحمه الله يختم القرآن في كل ثلاثة أيام ولياليها.. وكان
يتصدق كل يوم بصدقة.. يقول بكير بن معروف أحد معاصريه..(كنت بطانة أبي
حنيفة في السفر والحضر..وأشهده في الليالي في منزله..وكان قلّ ما يستتر
عليّ أمرٌ من أموره.. فما رأيت أحداً أكثر اجتهاداً منه !! صائمًا
بالنهار.. قائمًا بالليل..تالياً لكتاب الله..خاشعاً.. دائباً في طاعة
الله..محتسباً في التعليم).
وكان إذا دخل مكة لا يُرى إلا في صلاة أو طواف..وقد أحصوا له خمسًا وخمسين
حجة.
يقول عبد الله بن المبارك.. قلت لسفيان الثوري..ما أبعد أبا حنيفة عن
الغيبة.. ما سمعته يغتاب عدوا..قال سفيان..واللهِ هو أعقل من أن يسلط على
حسناته ما يذهب بها.............
وفاة الامام ابو حنيفة..
*****************
مات أبوه ثابت.. وخلف له مائتي ألف درهم ما عدا الأملاك.. فأنفقها في طلب
العلم وطلبته.. حتى جعل قوته في الشهر درهمين..وكان الناس يدخلون عليه في
بيته.. فلا يرون إلا الحصير.
مات أبو حنيفة - رحمه الله – سنة مائة وخمسين من الهجرة..وتولى الحسين بن
عمارة تغسيله وتكفينه.. فلما فرغ وقف على رأسه وقال(رحمك الله وغفر لك.. لم
تفطر منذ ثلاثين سنة.. ولم تتوسد يمينك بالليل منذ أربعين سنة..وقد أتعبت
من بعدك وفضحت القراء..........
توفى سنة ١٥٠ ه ..وصلى عليه خمسون ألف رجل .. ودفن في بغداد .. ويقال أنه
مات في
ليلة مولد الشافعي.
ومكث الناس يصلون على قبره عشرين يوما..فمات رحمه الله وقد خلف للأمة
الإسلامية تراثًا علميّاً ومذهبا فقهيا..وتلاميذ نجباء حملوا الراية من
بعده.. كأمثال القاضي أبي يوسف.. ومحمد بن الحسن..وزفر.. رحمهم الله
تعالى.........
لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير .........
ولكن الرزية فقـــد حــرّ يموت بموته خلق كثير .........
رحم الله الإمام أبا حنيفة.. وأسكنه فسيح الجنات..وجزاه الله خير ما جزى
عالماً على تعليمه وجهاده ودعوته........
بارك الله لي ولكم في الوحيين..ونفعني وإياكم بهدي سيد الثقلين.. أقول ما
تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين.. فاستغفروه إنه هو
الغفور الرحيم.
منقول