الدولة العثمانية
ينتسب العثمانيون إلي إحدى قبائل الغز الأتراك التي سكنت شمال بحر قزوين الذي كان يسمى ببحر الخزر ، وعندما استولى المغول على بلاد التركستان في القرن السابع الهجري هاجرت القبائل التركية إلي أذربيجان وهناك استقروا وتكاثروا في العدد ، وبعد وفاة زعيم القبيلة سليمان شاه خلفه ابنه أورخـان أبو الأتراك العثمانيين، ولكن الدولة تنسب إلي ابن أخيه عثمان بن أرطغـرل الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للدولة .
فقد دخل الأتراك العثمانيون في الصراع بين سلاجقة الروم والبيزنطيين إلي جانب السلاجقة وتمكن عثمان بن أرطغرل من الاستيلاء على بعض القلاع والحصون البيزنطية في وسط أسيا فكافأه علاء الدين ورفعه إلي مرتبة الأمراء وترك له التوسع في إمارته على حساب الممتلكات البيزنطية وبعد قتل السلطان علاء الدين السلجوقي وسقوط دولته استقل عثمان بإمارته وما تحت يده من أملاك السلاجقة ثم أعلن الجهاد فاستولى على بروسه على (ساحل بحر مرمرة ) ثم نظم بداية تأسيس الدولة ....
وتعد الدولة العثمانية أكثر الدول في الفتوحات الإسلامية بعد الدولة الأموية ، فقد أعاد العثمانيون الدعوة للجهاد والغزو وانطلقوا في فتوحات داخل أوروبا وأجزاء من أسيا الصغرى ، وعلى راس هذه الفتوحات فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح عام 1453م الذي حول كنيستها الشهير إلي جامع آيا صوفيا ثم فتح بلغراد والبوسنة والهرسك ودخل أهلها في الإسلام في عهد محمد الفاتح أيضا كما استولى العثمانيون على بلاد اليونان وقبرص ورومانيا وألبانيا.. وانتصروا على الدولة الصفوية وهزموا الشاه إسماعيل الصفوي عام 1514م في معركة جالديران ثم قضوا على المماليك في مصر والشام عبر معركتين مرج دابق عام 1516م في الشام والريدانية في مصر عام 1517م
وبالرغم من إن بداية تأسيس الدولة كان عام 699هـ إلا إن الميلاد الحقيقي لها وبداية ازدهارها وتوسعها كان عام 857هـ/ 1453م بعد إن تم فتح القسطنطينية التي أصبحت عاصمة الدولة وأطلق عليها اسم إسلام بول أو مدينة الإسلام وهي اسطمبول حاليا ، وفي عام923هـ بعد سقوط دولة المماليك في مصـر والشام وسقوط الخلافة العباسية معها أعلنت الدولة العثمانية الخلافة الإسلامية وحكمت أجزاء واسعة من العالم الإسلامي حتى سقوطها في عام 1337هـ/1924م ...
ويقسم المؤرخون تاريخ العثمانيين إلي دورين أساسين هما:
· دور القوة وهو يبدأ من تأسيس الدولة وحتى نهاية حكم سليمان القانوني عام 974هـ ...
· دور الضعف وجاء بعد عهد سليمان القانوني وتولية ابنه سليمان الثاني وحتى سقوط الخلافة...
وعن التشييد والجوانب الحضارية فقد كان السلاطين العثمانيين حريصين على إن يبنوا وإذا كانت فتوحات العثمانيين وأعمالهم العسكرية كثيرة إلا إنهم اهتموا بالبناء في كل بلد يفتحونه فيبنون مسجدا ويخصصون له الأئمة والفقهاء وينشرون الإسلام بين أهل هذا البلد، وكان أول مسجد بني في عهد أرطغرل والد عثمان عام 687هـ قبل إعلان الدولة رسميا، وفي عهد اورخان تم تشييد مسجد بورصة والحق به بناء كبير ليكون مدرسة للعلوم الشرعية، وفي عام 737هـ سقطت مدينة أزمير في يد العثمانيين فبنوا فيها مسجدا كبيرا وبجواره مدرسة ضخمة لتدريس العـلوم ،
واعتبرها البعض أول جامعة عثمانية .
وفي عهد بايزيد بن مراد بنى العثمانيون مركزا ضخما لبناء السفن وإصلاحها في مدينة غاليبولي ، وفي عهد السلطان محمد الفاتح تم اختراع فكرة جديدة لتصنيع المدافع منها مدفع ضخم استخدم في معركة فتح القسطنطينية ، وتم اختراع نوع جديد من القنابل المتفجرة التي تنفجر إذا اصطدمت بجسم صلب لأول مرة في تاريخ الحروب ,,
وبعد فتح القسطنطينية بنى فيها السلطان محمد الفاتح مسجدا ضخما والحق به مستشفى تضم سبعين سرير يتدرب فيها الطلاب الذين يدرسون الطب وأطلق على المستشفى اسم دار الشفاء ،
وفي عهد السلطان احمد خان الثالث أمر بتأسيس دار الطباعة في اسلامبول وزودت بمطبعة حديثة ، ويذكر بعض المؤرخين إن عدد المكتبات في اسلامبول بلغ 45 مكتبة ضمت (64162) مجلدا أكثرها مخطوط بالقلم ، ومن كبار المعماريين الذين ظهروا في الدولة العثمانية المعماري المعروف( سنان) ويعتبره البعض من أبرز المعماريين في التاريخ الإسلامي وليس في تاريخ الدولة العثمانية وحدها وكان سنان مسؤلا عن الأعمال المعمارية في اسلامبول والتي لا تزال أثارها باقية إلي اليوم، كما ساهم سنان في بناء العديد من السفن الحربية .....
ضعف الدولة العثمانية
كان اختلال نظام الانكشارية وتوالي هزائمهم العسكرية وظهور قوى جديدة من أسباب ضعف الدولة إلي جانب انتشار الفساد والرشوة وضعف السلاطين ، وسوء جباية الضرائب وفرض نظام الالتزام الذي أدى إلي هجـرة الفلاحين من أراضيهم ، وقد ظلت الخلافة العثمانية حوالي أربعة قرون وهي مدة طويلة لاشك أنها صعبت من استمرارية إحكام قبضة العثمانيين على ممتلكاتهم طوال هذه الفترة ، وبصفة عامة عانت الولايات العربية من تدهور أحوال الزراعة والصناعة والتجارة إلي جانب تعصب الأتراك لجنسهم وتفضيله على العنصر العربي تغذيهم بعض العناصر اليهودية التي كان لها نفوذ واسع في جمعية الاتحاد والترقي، فقامت الحركات الانفصالية عن الدولة ومنها الحركة الوهابية والسنوسية والمهدية وحركة محمد علي التوسعية في مصر ،
ولما شعرت الدولة العثمانية بضعفها فرضت على العالم العربي العزلة وقطعته عن الاتصال بالعالم الخارجي فانتشرت الأمية واقتصر التعليم على الكتاتيب الملحقة بالمساجد التي كانت تدرس العلوم الدينية والفقهية فقط ، كما كانت مدة حكم الولاة تقتصر على عام أو أكثر مما مهد لطمع الولاة ومحاولة استقلالهم عن الدولة ، كذلك كانت الامتيازات الأجنبية التي منحتها الدولة العثمانية لرعايا الدول الأجنبية سببا من أسباب الانهيار فقد أساء رعايا هذه الدول فهم هذه الامتيازات واعتبروهـا حقا مكتسبا لهم فنراهم يتهربون من دفع الضرائب ولا يخضعون أنفسهم لقانـون الدولـة
كما ظهرت أطماع الدول الاستعمارية في ممتلكات الدولة ودخلت روسيا الحرب ضد العثمانيين فيما عرف بحرب القرم 1853م ولم تنتهي إلا بمعاهدة سان استيفانوس التي فضت النزاع بينهما ، كما حظيت النمسا وبريطانيا على أجزاء من ممتلكات الدولة بعد مؤتمر برلين 1879م ، وبدأ اليهود في رسم مخططاتهم التي توجوها بالهجرة إلي فلسطين بعدما حاولوا رشوة السلطان عبد الحميد وفشلوا في ذلك، فلجاوا إلي بريطانيا التي وجدت فيهم سندا لمصالحها في الشرق ، كما تجرأت دول أخرى وغزت ممتلكات الدولة ومنها فرنسا في حملتها على مصر والشام عام 1798م ثم احتلال فرنسا للجزائر عام 1830م ،
كما أعلن الجبل الأسود الحرب على الدولة العثمانية وتحالف مع صربيا وبلغاريا واليونان وتمكنوا من إحراز النصر على العثمانيين الذين فقدوا معظم أراضيهم في أوروبا لذلك ظهر مصطلح المسألة الشرقية أو رجل الشرق المريض الذي أطلقه المؤرخون على الدولة العثمانية.. ومع ذلك استمرت الخلافة حتى جاء كمال أتاتورك وأسقطها عام 1924م لتقوم دولة تركيا الحالية وتأخذ طريقها نحو العلمانية .... ورغم ذلك فلا أحد يستطيع أن ينكر إن الدولة العثمانية كانت دولة مجاهدة ....
من مصادر الدراسة:
*
محمد فريد وجدي: تاريخ الدولة العلية ـ تحقيق إحسان حقي ـ دار النفائس ـ بيروت الطبعة السادسة (1408هـ= 1988م)
*
يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية ـ مؤسسة فيصل للتمويل ـ تركيا (الطبعة الأولى: 1988).
*
أحمد عبد الرحيم مصطفى: في أصول التاريخ العثماني ـ دار الشروق ـ القاهرة ـ الطبعة الثالثة (1418= 1998م).
*
سعيد أحمد رجاوي: الإمبراطورية العثمانيةـ الأهلية للنشر والتوزيع ـ بيروت (1993
منقول للافاده