بحث عن غسيـل الأمــوال
غسـل الأمــوال
دكتور / محمد نبيل غنايم
أستاذ ورئيس قسم الشريعة الاسلامية
بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة – مصر
)طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
هذا البحث عن "غسل الأموال" وهو أحد موضوعات المحور الثانى من محاور المؤتمر العالمى الثالث للاقتصاد الإسلامي الذى تنظمه كلية الشريعة والدراسات الاسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة خلال شهر المحرم 1424هـ .
ويقع البحث في خمسة مباحث، تناول المبحث الأول بيان معانى الألفاظ : غسل– أموال – غسل الأموال . وانتهى الى أن المصطلح الحديث الشائع اليوم في مجال الاقتصاد لا يمت إلى المعنى الحقيقى للغسل، بل إنه جريمة مركبة ذات أبعاد وآثار اقتصادية واجتماعية خطيرة جعلت العالم كله يسعى الى مكافحتها والقضاء عليها .
أما المبحث الثانى فيتحدث عن الأموال الحلال وطرق الكسب المشروعة ويتحدث المبحث الثالث عن الأموال الحرام وطرق الكسب غير المشروعة ويتحدث المبحث الرابع عن الغسل الشرعى للاموال بنوعيها وذلك ببيان كيفية التطهير المطلوب في المال الحلال عن طريق إخراج الزكاة والنفقة الواجبة والكفارة وغير ذلك، وكيفية التطهير المطلوب في المال الحرام إما بالتخلص منه كلية او من الجزء المحرم فيه، أو برد الحقوق الى أصحابها … وهكذا، أما المبحث الخامس فعن الغسل غير الشرعى للأموال الحرام وهو بيت القصيد وجوهر هذا البحث لأنه تصدى لهذه الظاهرة وبين خطورتها وحجم انتشارها وما نشأ عنها من فساد، ثم تحدث عن الجهود المحلية والعالمية لمكافحتها والقضاء عليها وأخذ من جهود مصر وما سنته من قانون لذلك نموذجا ومثالا، ولم يغفل الجهود الدولية الأخرى في هذا الصدد.
وانتهى البحث الى ان مصطلح " غسل الأموال " حق يراد به باطل وأنه لا يعنى الغسل الشرعى الصحيح والواجب بل يعنى جريمة مركبة من عدة جرائم لا تمت الى الغسل بصلة بل تقوم على قذارة واضحة، وناشد البحث أولياء الامر أن يصادروا تلك الأموال ويعزروا أصحابها بما يستحقون من العقاب.
مقدمـــة :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد،،،
فيسعدنى أن أتقدم بهذا البحث في موضوع "غسل الأموال" للمشاركة في أعمال المؤتمر العالمى الثالث للاقتصاد الإسلامي الذى تنظمه كلية الشريعة والدراسات الاسلامية بجامعة أم القرى خلال شهر المحرم 1424هـ- مارس 2003م.
ويتكون هذا البحث من خمسة مباحث :
المبحث الأول : في تحديد المصطلحات : غسل، أموال، غسل الأموال.
المبحث الثانى : الأموال الحلال وأنواعها.
المبحث الثالث : الأموال الحرام وأنواعها.
المبحث الرابع : غسل الأموال الشرعى.
المبحث الخامس : غسل الأموال غير الشرعى.
ثم الهوامش، وفهرس المراجع.
ونظرا لحداثة الموضوع وقلة مصادره كان لا بد من إلقاء الضوء على جميع الجوانب من خلال المراجع العامة والدوريات اليومية.
تناولت في المبحث الأول تعريف الغسل وتعريف الأموال، وتعريف المركب "غسل الأموال" من خلال المعاجم وكتب التفسير والفقه، وغسل الأموال كمصطلح حديث له معنى مجازى . وفى المبحث الثانى بينت الأموال المشروعة وأسباب التملك والعمل المشروع من خلال كتب التفسير والفقه، أما المبحث الثالث فتناولت فيه الأموال الحرام وأنواعها وأسباب تحريمها وما يتفرع عنها وأفدنا في ذلك من بعض المراجع الحديثة مع المراجع القديمة، وفى المبحث الرابع تحدثنا عن الغسل الشرعى للاموال بنوعيها الحلال والحرام وكيف يكون ذلك في كل منهما، أما المبحث الأخير الخامس فتناولت فيه الغسل غير الشرعى للاموال الحرام وهو المراد هذه الأيام وهو الجريمة الاقتصادية التي نحن بصددها وقد بينت في هذا المبحث مدى خطورة وحجم هذه الجريمة والجهود الدولية والمحلية لتجريمها ومكافحتها وفيه اعتمدت على الدوريات .
أرجو أن أكون قد وفقت والله من وراء القصد.
!!!
المبحث الأول
تحديد المصطلحات : الغسل – الأموال – غسل الأموال
يعتبر مصطلح " غسل الأموال " من المصطلحات الاقتصادية حيث لم يعرف ولم يتداول ولم يتنبه له الا منذ سنوات معدودة حيث بدأت إجراءات المراقبة والتجريم والمصادرة وتكوين إدارات خاصة بتتبع ذلك وهكذا .
يقول الدكتور محمد عبد الحليم عمر : وفى هذه الأيام زادت ظاهرة الكسب والصرف غير المشروعين سواء من حيث عدم المشروعية الدينية او عدم المشروعية القانونية، وظهر ما يعرف في المجال الاقتصادى بالاقتصاد الخفى او الاقتصاديات السوداء او اقتصاديات الظل والتي تنطوى في جزء كبير منها على كسب الأموال من مصادر غير مشروعة تضر بالاقتصاد القومى وبحقوق الآخرين، ونظرا لخوف هذه الفئة التي تكسب أموالا غير مشروعة من المساءلة القانونية، وخشيتهم من الناس ارتبط بظاهرة الاقتصاد غير المشروع عملية "غسل الأموال " والتي يعنى بها اجمالا العمل على محاولة الاخفاء والتعتيم على المصادر غير المشروعة للاموال باساليب عديدة ومتنوعة لتضليل الجهات الأمنية والرقابية وادخال هذه الأموال في دورة عمليات مشروعة ويظل يستفيد بها . (1)
ولما كان الامر بهذه الحداثة رأيت أن أبدأ بتأصيل المصطلحات لننطلق منها الى ما نحن بصدد بحثه وحتى يكون التحديد واضحا نعرف كل لفظ على حدة ثم نأخذ من ذلك المصطلح المركب ومعناه.
وكلمة "غسل" وردت في القرآن الكريم ثلاث مرات هى قوله تعالى في الوضوء ) يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق …( (2) وقوله في الطهارة من الجنابة ) يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا ( (3) وقوله تعالى لأيوب عليه السلام ) اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب( (4) فهي تعنى الطهارة بالماء من الحدث الأصغر والأكبر كما تعنى إزالة النجاسة وتطهير الموضـع الذى أصابته بالماء، ولذلك يعبر عن الغسل بالتطهير كقوله تعالى ) وإن كنتم جنبا فاطهروا( (5) أي اغتسلوا، وقوله ) وثيابك فطهر ( (6) أي اغسله ونظفه من النجاسة، وقوله ) فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فآتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ((7) إلى غير ذلك من الآيات وهى كثيرة فكلمة "غسل" مصدر يدل على النظافة والطهارة .
تقول المعاجم : غسل الشيء يغسل غسلا : أزال عنه الوسخ ونظفه بالماء، ويقال : غسل الله حوبته : طهره من إثمه .. وغسل الأعضاء : بالغ في غسلها والميت: طهره ونقاه، واغتسل بالماء : غسل بدنه به، والغسل : تمام غسل الجسد كله، والمغتسل : مكان الاغتسال والماء الذى يغتسل به.."(
والأموال جمع مال، وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم ستا وثمانين مرة مفردة وجمعا ومضافة فمن ذلك قوله تعالى ) وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين ( (9) وقولـه ) ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال ( (10) وقوله ) ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا ( (1) وقوله ) شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا ( (12) وقوله ) والذين في أموالهم حق للسائل والمحروم ( (13) إلى غير ذلك من الآيات وهى في جميع المواضع تعنى ما يمتلكه الإنسان ويتموله ويتبادله مع غيره عينا أو نقدا او منفعة .
قالت المعاجم : مال يمول مولا ومؤولا : كثر ماله فهو مال، وهى ماله وفلانا اعطاه المال، موله : اتخذه قنية، والمال : كل ما يملكه الفرد او تملكه الجماعة من متاع او عروض تجارة او عقار او نقود او حيوان والجمع أموال، وقد أطلق في الجاهلية على الإبل، ويقال : رجل مال : ذو مال (14)، وليست المعانى الشرعية للغسل والمال بعيدة عن هذه المعانى اللغوية بل تكاد تتفق معها فالغسل في الشرع هو تعميم البدن والشعر بالماء مع النية كما جاء في قول ابن قدامة في الكافى والمغنى (15) وقول القرطبى على المغسول ولذلك فرقت العرب بين قولهم : غسلت الثوب وبين قولهم أفضت عليه الماء وغمسته في الماء، اذا تقرر هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا في الجنب يصب على جسده الماء او ينغمس فيه ولا يتدلك فالمشهور من مذهب مالك أنه لا يجزئه حتى يتدلك وقال الجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء : يجزئ الجنب صب الماء والانغماس فيه اذا اسبغ وعم وان لم يتدلك (16) والاختلاف في الجنب لا يعنينا في هذا المقام إنما أردنا بيان حقيقة الغسل عند جمهور العلماء وهى الصحيحة المتفقة مع اللغة والنصوص الشرعية.
وكذلك المال قال القرطبى : ذهب بعض العرب وهم دوس الى ان المال الثياب والمتاع والعروض، ولا تسمى العين مالا، وقد جاء هذا المعنى في السنة الثابتة، من رواية مالك عن ثور بن زيد الديلى عن أبى الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبى هريرة قال : خرجنا مع رسول الله r عام خيبر فلم نغنم ذهبا ولا ورقا الا الأموال الثياب والمتاع ..، وذهب غيرهم الى ان المال الصامت من الذهب والفضة وقيل : الإبل خاصة، ومنه قولهم : المال الإبل، وقيل جميع الماشية، وذكر ابن الانبارى عن احمد بن يحيى ثعلب النحوى قال : ما قصر عن بلوغ ما تجب فيه الزكاة من الذهب والورق فليس بمال وأنشد :
والله ما بلغت لى قط ماشية حد الزكاة ولا إبل ولا مال
قال أبو عمر : والمعروف من كلام العرب ان كل ما تمول وتملك هو مال لقوله r " يقول ابن آدم مالى مالى، وإنما له من ماله ما أكل فأفنى او لبس فأبلى أو تصدق فأمضى" وقال أبو قتادة : فأعطانى الدرع فابتعت به مخرفا – بضع نخلات – في بنى سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام، فمن حلف بصدقة ماله كله فذلك على كل نوع من ماله سواء كان مما تجب فيه الزكاة أو لم يكن الا ان ينوى شيئا بعينه فيكون على ما نواه، وقد قيل : إن ذلك على أموال الزكاة، والعلم محيط واللسان شاهد بأن ما تملك يسمى مالا والله أعلم (17) وهذا الذى قاله القرطبى في النهاية هو الصحيح فالمال هو كل ما يتملكه الإنسان من ذهب أو فضه او زروع او حيوان او منافع او عروض تجارة الى غير ذلك من الأنواع.
نأتي بعد هذين التعريفين لكل من : الغسل، والأموال للتعريف باللفظ المركب منهما فيكون غسل الأموال هو تطهيرها من كل قذارة ونجاسة، وتلك هى الطهارة الحسية، وتكون بإزالة النجاسات كالروث والدم ونحوها من الممتلكات كالثياب والمكان ونحوها، كما يتم تطهيرها حسيا باستبعاد ما هو محرم منها كفوائد البنوك والرشوة والغصب والسرقة ونحو ذلك من الميتة والخنزير ويتم تطهيرها معنويا وحسيا باخراج نصيب الفقراء والمساكين منها بأداء الزكاة المفروضة وما سواها من حقوق، فان كان المراد بغسل الأموال تلك الطهارات الحسية والمعنوية فهي إرادة صحيحة لأنها مطلوبة شرعا أما إن كان المراد بها تحويل الأموال القذرة من الكسب غير المشروع بأي وسيلة محرمة تبدو في ظاهرها مشروعة كالمصانع والعقارات والاراضى الزراعية لايهام الناس والمسئولين أنها مصادر شرعية وكسب مشروع واخفاء حقيقتها القذرة ومصادرها الخبيثة من مخدرات وغيرها فذلك كذب وبهتان وزور ونفاق يبقى على حقيقته كسبا خبيثا ويضيف الى ذلك تلك الإجراءات الكاذبة والتمويهات الباطلة من عمليات التحويل والبيع والشراء فتضيف الى القذارة قذارة والى الأموال النجسة عمليات وإجراءات لا تقل عنها نجاسة، فأين يكون الغسل والتطهير حينئذ ؟! إنه أبعد ما يكون عن ذلك وهذا المعنى الثانى وللأسف الشديد هو المعنى المراد في هذه الأيام في نظر الاقتصاديين فمصطلح "غسل الأموال" يطلق الان على ما يسمى بالاقتصاد الخفى والاقتصاديات السوداء او اقتصاديات الظل التي تنطوى في جزء كبير منها على كسب الأموال من مصادر غير مشروعة، ولخوف أصحابها من المساءلة القانونية وخشيتهم من الناس فانهم يلجأون بعد كسبها في غفلة من القانون او تواطؤ من القائمين عليه او في بلد اخر الى تحويل هذه الثروة غير المشروعة الى ثروة تبدو في ظاهرها مشروعة كشراء أراض زراعية او بناء عقارات او إنشاء مصانع او ايداعات في البنوك او مشاركة الآخرين، وفى ذلك قال الدكتور محمد عبد الحليم عمر " ارتبط بظاهرة الاقتصاد غير المشروع عملية غسل الأموال والتي يعنى بها اجمالا العمل على محاولة إخفاء والتعتيم على المصادر غير المشروعة للأموال بأساليب عديدة ومتنوعة لتضليل الجهات الأمنية والرقابية ‘ وإدخال هذه الأموال في دورة عمليات مشروعة ويظل يستفيد بها " (18) ومن هذا يتبين ان مصطلح غسل الأموال " مصطلح مجازى" تم فيه تشبيه الأموال القذرة بالجنب او الشئ النجس ثم حذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه وهو الغسل بالماء بقصد الطهارة والتطهير، وهذا المجاز في غير محله لأنه اذا صح في حال رد الحقوق الى أصحابها وأداء الزكاة وإزالة النجاسات فانه لا يصح في عمليات النصب والكذب والخداع التي ظاهرها الغسل والتطهير وحقيقتها المزيد من القذارة والنجاسة بالكذب والخداع وإجراء العمليات المشروعة ظاهرا.
بهذا يكون قد تبين لنا حقيقة مصطلح " غسل الأموال " والمراد منه في الاقتصاد وهذا يقتضى أن نقوم ببيان الأموال المشروعة بإيجاز والأموال غير المشروعة وكيفية تطهير كل منهما بالصورة الشرعية لنحكم بعد ذلك على عملية غسل الأموال الحديثة الحكم الشرعى الصحيح . وهذا ما يتبين في المباحث التالية.
!!!
المبحث الثاني
الأموال المشروعة (الحلال) وأنواعها
فطر الله تعالى الإنسان على حب المال وجعله سبحانه وتعالى زينة الحياة الدنيا وأمر الله تعالى بالمحافظة عليه وجعل ذلك من الكليات والضروريات الخمسة قال تعالى ) المال والبنون زينـــة الحيــــاة الدنيــــا ( (19) وقال ) وتحبـــــون المال حبـا جما ( (20) وقـال )زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا ( (21) وجعل المال أساسا وقياما للحياة لا يجوز العبث به او إتلافـه أو اعطاؤه للسفهاء فقـال ) ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها وأكسـوهم وقولوا لهم قولا معروفا ((22) وأمر سبحانه من يعتدى على مال الغير بالاتلاف أن يضمن ما أتلفه وبالقطع على من يسرق قال تعالى ) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزءا بما كسـبا نكالا مـن الله والله عزيز حكيم ( (23) والنصوص كثيرة في بيان قيمة المال وأهميته وحرمته والاعتدال في انفاقه بلا إسراف ولا تقتير كما قال تعالى
) ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا … ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقـــك ولا تبســــــطها كل البســـــــط فتقعد ملوما محسورا ( (24) إلى غير ذلك . ولما كان الإنسان مفطورا على حب المال فقد يسر الله تعالى له أسباب كسبه ونبهه إليها، وحثه على السعى فيها وعدم تجاوزها وحذره من غيرها وحرمها عليه وتوعده على تحصيلها بالعقاب في الدنيا والاخرة قال تعالى ) هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ( (25) فالاسلام يأمر الإنسان بكسب المال عن طريق السعى في الأرض والعمل الجالب للكسب، ويبيح له بالتالى تملك المال والاستمتاع به، على أن يكون ذلك كله بالطرق المشروعــة التي ترضى الله، وتكسب الإنسان ثواب الدنيا والاخرة (26). وحتى يتحقق ذلك ربط الله تعالـى بين عبادته وكسب المال فقال سبحانه ) يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ( (27) وقد يسر الله تعالى للإنسان أسباب الكسب الحلال والتملك المشروع وبسطها بين يديه وهى تحقق للإنسان الاكتفاء والغنى فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر :
1- جميع الاعمال الزراعية ما عدا النباتات المحرمة كالأفيون أو البانجو أو القات أو الدخان، وقد حث الإسلام على ذلك النشاط ورغب فيه وامتن الله على عباده بتيسيره فقال سبحانه ) وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا ( (28) وقال ) فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم ( (29) وقال ) وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه، انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( (30) وقال ) وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ( (31) وقال ) وهو الذى مد الأرض وجعل فيها رواسى وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وفى الارض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( (32) ويقول سبحانه ) أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ( (33) إلى غير ذلك من الآيات وهى كثيرة ومن الأحاديث قــــــول النبى r " إذا قامت الساعــــــة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها " (34) وقوله " ما من مسلم يغرس غرسـا أو يزرع زرعـا فيأكل منه إنسان أو حيوان أو طيـر أو بهيمة إلا كان له به أجر" (34) إلى غير ذلك من الأحاديث التي ترغب في هذا العمل وتحث عليه لما فيه من تحقيق الاكتفاء والتعرف على آيات الله وقدرته ثم شكره وعبادته، وقد عرفت الزراعة منذ نشأة الخليقة فكان النبات أولا ثم كان الحيوان كما استنبط ذلك بعض العلماء من قوله تعالى ) إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة ( (35) وتعتبر الزراعة أساسا لجميع الموارد الاقتصاديــــــــة الأخرى من تجارة وصناعـــــة وحرف ولذلك قال الله تعالى ) ولقد مكانكم في الأرض وجعلناكم فيها معايش قليلا ما تشكرون ( (36) قال القرطبى : أى جعلناها لكم قرارا ومهادا، وهيأنا لكم فيها أسباب المعيشة، والمعايش جمع معيشة أي ما يتعيش به من المطعم والمشرب وما تكون به الحياة، يقال عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشا ومعيشة وعيشة، وقال الزجاج : المعيشة ما يتوصل به إلى العيش" (37) .
الموضوع الأصلى من هنا: منتديات البارود بحث عن غسيـل الأمــوال
2- التجارة وهى النشاط الاقتصادى القائم على تبادل السلع والمنتجات والاثمان بالبيع والشراء والشركة والاجارة والحوالة والرهن وغير ذلك من المناشط، ويجب ان تقوم على التراضى بين الأطراف المتبادلة وألا يدخلها غش او غبن او اكراه قال تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجـارة عن تراض منكم ( (38) وقال ) إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها ( (39) وقال ) قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها، وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسـوله وجهـاد فـي سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين ( (40) قال القرطبى : والتجارة هى البيع والشراء، … والتجارة في اللغة عبارة عن المعاوضة ومنه الأجر الذى يعطيه البارئ سبحانه العبد عوضا عن الاعمال الصالحة التي هـى بعض من فعله، قال تعالى ) يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكــــــم من عذاب أليـــم ( (41) وقال تعالى ) يرجون تجارة لن تبور( (42) وقـال ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ( (43) فسمى ذلك كله بيعا وشراء على وجه المجاز تشبيها بعقود الاشرية والبياعات التي تحصل بها الأغراض، وهى نوعان: تقلب في الحضر من غير نقلة ولا سفر، وهذا تربص واحتكار قد رغب عنه اولو الأقدار، وزهد فيه ذوو الأخطار والثانى : تقلب المال بالاسفار ونقله الى الأمصار، فهذا اليق بأهل المروءة وأعم جدوى ومنفعة غير أنه أكثر خطرا وأعم غررا، وقد روى عن النبى r أنه قال : إن المسافر وماله لعلى قلت – هلاك – إلا ما وقى الله يعنى على خطر، قال القرطبى قال الطبرى : ففى هذه الآية إبانة من الله تعالى ذكره عن تكذيب قول المتصوفة المنكرين طلب الاقوات بالتجارات والصناعات .. وقيل في التوراة : يا ابن آدم أحدث سفرا أحدث لك رزقا " ثم قال : اعلم أن كل معاوضة تجارة على أى وجه كان العوض إلا أن قوله " بالباطل " أخرج منها كل عوض لا يجوز شرعا من ربا أو جهالة أو تقدير عوض فاسد كالخمر والخنزير وغير ذلك، وخرج منها أيضا كل عقد جائز لا عوض فيه كالقرض والصدقة والهبة لا للثواب، وجازت عقود التبرعات بأدلة أخرى مذكورة في مواضعها، فهذان طرفان متفق عليهما .. (44) وفى فضل التجارة والحث عليها روى الدار قطنى عن ابن عمر قال قال رسول الله r " التاجر الصدوق الأمين المسلم مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة " وقال الرازى : التجارة عبارة عن التصرف في المال سواء كان حاضرا او في الذمة لطلب الربح يقال : تجر الرجل يتجر تجارة فهو تاجر، واعلم أنه سواء كانت المبايعة بدين أو بعين فالتجارة تجارة حاضرة فقوله تعالى ) إلا أن تكون تجارة حاضرة ( لا يمكن حمله على ظاهرة بل المراد من التجارة ما يتجر فيه من الأبــــــدال، ومعنى إدارتـــها بينهم معاملتهم فيها يدا يبد"(45).
3- الصناعة وهى وسيلة من وسائل الاقتصاد وكسب المال وتقوم على الزراعة والتجارة، فهي من جهة تحول المحاصيل الزراعية الى صناعات كثيرة وبخاصة القطن والكتان والذرة والمعلبات الغذائية والعصائر وغير ذلك كما تقوم على المعادن صناعات كثيرة، ثم يتم بيع هذه المنتجات تصديرا او استيرادا وتبادلا مما يحقق دخلا كبيرا وثروة عظيمة بل إن كثيرا من البلاد الفقيرة زراعيا استطاعت بالصناعة والتجارة ان تسبق كثيرا من البلاد الزراعية، كما أن كثيرا من البلاد غير الزراعية وغير الصناعية استطاعت بالوساطة التجارية أن تحقق عوائد كثيرة، والصناعة نشاط شرعى ذكره الله تعالى عن بعض الأمم السابقة والأنبياء فقد كان سيدنا نوح نجارا وقام بصناعة السفينة قال تعالى ) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبنى في الذين ظلموا إنهم مغرقون. ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ( (46) وقال عن قوم هود ) أتبنون بكل ريع آية تعبثون. وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ( (47) وقال عن داود عليه السلام ) وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ( (48) وقال عنه أيضا ) وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إنى بما تعملون بصير ( (49) وقال عن سليمان ) ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهرا وأسلنا عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدروا راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور ( (50)
4- وهناك مصادر أخرى للمال غير تلك المصادر العامة كالهبات والوصايا والميراث والدية وأروش الجنايات والصدقات والمهر والفئ والغنيمة يقول الرازى : واعلم أنه كما يحل المال المستفاد من التجارة، فقد يحل أيضا المال المستفاد من الهبة والوصية والإرث وأخذ الصدقات والمهر وأروش الجنايات فإن أسباب الملك كثيرة سوى التجارة " (51)، وما دام المال حلالا حيث تم اكتسابه بالأساليب الشرعية فإنه يحقق الملكية لصاحبه تلك الملكية التي تعنى الاختصاص به والقدرة او حق التصرف فيه وعن هذا المعنى يقول الدكتور محمد بلتاجى : " شرع الإسلام الملكية الفردية – بشروطها – فأباح لكل فرد أن يتملك – بالأسباب المشروعة – ما يشاء من المنقولات والعقارات وأباح له استثمارها والانتفاع بها في نطاق الحدود التي رسمها وخوله حق الدفاع عنها كالدفاع عن النفس والعرض ولو بقتل الصائل عليها، وقد اعتبر الشارع المال من الكليات الخمس التي تقوم بها حياة الناس وشرع الحدود والعقوبات والزواجر للحفاظ عليها، ومن ثم جاء حد السرقة وحد الحرابة وجاءت النصوص المتعددة التي تنهى عن تعدى حدود الله، ومشروعية الملكية الفردية " بدهية لا تحتاج الى استدلال "(52) ثم قال عن أسباب هذه الملكية : يرى المرحوم الشيخ أحمد ابراهيم ان الإنسان يستفيد الملك وتثبت له حقوقه بالأسباب الآتية :
1وضع اليد على الشئ المباح الذى لا مالك له.
2العقود الناقلة للملك من مالك إلى آخر كالبيع والهبة والوصية.
3الميراث
4الشفعة وهى حلول الشريك أو الجار محل المشترى في ملكية العقار المبيع اذا طلب أحدهما ذلك، لكننا في هذا نلاحظ أن حصر أسباب الملكية الفردية في الأسباب السابقة يغفل أسبابا اخرى من أسباب الملك في الإسلام وهى العمل، والقتال، والجناية " (53) .
وهو بهذا يشير الى ما سبق أن بيناه من النشاط الزراعى والتجارى والصناعى ثم ما ذكره الرازى من الهبة والوصية والميراث والدية وأرش الجناية والصدقة والمهر وما أضفناه من الفئ والغنيمة والسلب ووضع اليد على الشئ المباح كإحياء الموات والصيد . وهذا يقودنا إلى معرفة المقابل وهو المال الحرام وذلك في المبحث التالى.
المبحث الثالث
الأموال الحرام وأنواعها
وهى الأموال التي تكتسب او تحاز بطرق غير مشروعة وهى التي ورد النهى عنها، او ورد الحد على ارتكابها، او ورد وعيد شديد على حيازتها او سماها الله تعالى باطلا ويشمل جميع ما سبق فمما ورد النهى عنه دون الحد الربا، ومما ورد فيه الحد السرقة والحرابة، ومما ورد فيه الوعيد الشديد أكل أموال اليتامى ظلما وبيع الحر وأكل ثمنه وهكذا، ويمكن حصر هذه الأموال المحرمة في أصلين هما " أكل أموال الناس بالباطل " و " تعدى حدود الله في التصرفات المالية " أما الأول فقد أشار الرازى إليه اجمـــالا بقوله : " ذكروا في تفســـير الباطل في قولـــــــــه تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( وجهتين : الزور وأخذ المال باليمين الكاذبة وجحد الحق … الثانى : ما روى عن ابن عباس والحسن رضى اله عنهم أن الباطل هو كل ما يؤخذ من الإنسان بغير عوض … ويدخل تحته أكل مال الغير بالباطل، وأكل مال نفسه بالباطل .. أما أكل مال نفسه بالباطل فهو انفاقه في معاصى الله، وأما أكل مال غيره بالباطل فقد عددناه .. " (54)
الموضوع الأصلى من هنا: منتديات البارود بحث عن غسيـل الأمــوال
وقال القرطبى في تفسير قوله تعالى ) ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ( (55) الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد r والمعنى لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، فيدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه كمهر البغى وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك … وقال قوم : المراد بالآية ) ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( أي في الملاهى والقيان والشرب والبطالة، ومن أخذ مال غيره لا على وجه إذن الشرع فقد أكله بالباطل، ومن الأكل بالباطل أن يقضى القاضى لك وأنت تعلم أنك مبطل فالحرام لا يصير حلا لا بقضاء القاضى لأنه إنما يقضى بالظاهر، وهذا إجماع في الأموال .. ثم قال: المعنى لا تصانعوا بأموالكم الحكام وترشوهم ليقضوا لكم على أكثر منها .. قال ابن عطية : وهذا القول يترجح لأن الحكام فطنة الرشاء الا من عصم وهو الأقل …. وقد اتفق أهل السنة على أن من أخذ ما وقع عليه اسم مال قل أو كثر أنه يفسق بذلك، وأنه محرم عليه أخذه " (56) وقد علق الدكتور محمد بلتاجى على ذلك بقوله : فالباطل إذن هو ما جاء بخلاف قواعد الشرع، وقد نبهت آية البقرة إلى حرمة الاستعانة على ذلك برشوة الحكام ) وتدلوا بها إلى الحكام ( أما آية النساء فقد استثنت من أكل المال بالباطل ما كان ) تجارة عن تراض منكم ( لكن التراضى على ما حرمته الشريعة لا يغير وصف الباطل عن المعاملة لمجموع ما سبق، وإذن فالتراضى المعتبر المقصود في هذه الآية إنما هو التراضى في نطاق ما أذن فيه الشرع كما يقول ابن رشد : تجارة لا غرر فيها ولا مخاطرة ولا قمار ولا حرمة، إذ إن التراضى بما فيه ذلك " لا يحل ولا يجوز " (57) ولا يعطيه المشروعية إذ لا مشروعية إلا من قبل المشرع، ويستدل الإمام الشافعى لذلك بقوله : قلما نهى رسول الله r عن بيوع تراضى بها المتبايعان استدللنا على أن الله عز وجل أراد بما أحل من البيوع ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه r دون ما حرم على لسانه، فأصل البيوع كلها مباح اذا كانت برضا المتبايعين الجائزى الامرى فيما تبايعا الا ما نهى عنه رسول الله r منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله r محرم بأنه داخل في المعنى المنهى عنه، وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى " (58) ثم قال (59) : لقد نهت الشريعة عن ثمانية أمور رئيسية استتبع النهى عنها النهى عن أمور كثيرة تفصيلية تتصل بها وتؤدى إليها، أما الأمور الثمانية فهي : الربا، والغرر، والمقامرة، والغش، والغصب، والاحتكار، والرشوة، والتجارة في المواد المحرمة والضارة كالخمور والخنزير والميتة والأغذية الفاسدة، وثمن الكلب، ومهر البغى، ثمن الحر.. الخ، وأما الأمور التفصيلية المتصلة بها والمؤدية إليها فهي مثل : النهـى عن التصرية (60)، وتلقى الركبان، والتناجش (61)، وبيع حاضر لباد، والبيع على بيع من سبقه، والمزابنة (62)، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه، وبيع التمر بالثمر – مع الترخيص في العرايا (63)– والمنابذة (64)، والملامسة (65) وبيع الحصاة (66)، وبيع كالئ بكالئ (67) فجميع هذه المعاملات محرمة ومنهى عنها أصولا وفروعا أو إجمالا وتفصيلا وليس هذا محل عرضها بالتفصيل وبيان أسباب تحريمها وأدلته لذا نكتفى بالقاء الضوء عليها جملة . ولما كان الربا معروفا ننتقل إلى غيره . .
فالغرر: ما فيه جهالة أو خديعة أو مخاطرة ويتدرج فيه بيع الملامسة، وبيع حبل الحبلة (68)، وبيع الحصاة، وعسب الفحل (69)، والمعاومة (70)، وبيع السنين، وبيع العربون (71) ونحو ذلك مما فيه غرر كبيعتين في بيعة، وبيع وشرط وبيع وسلف وعن بيع السنبل حتى يبيض، والعنب حتى يسود، وعن المضامين والملاقيح، وكل ذلك ورد النص بالنهى عنه فهو حرام، والمسائل المسكوت عنها مختلف فيها بين الفقهاء، قال النووى : النهى عن بيوع الغرر يشمل مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع المعدوم، والمجهول وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير واللبن في الضرع والحمل في البطن، وثوب من أثواب، وشاه مبهمة من شياه " (72) .
والمقامرة : هى الميسر المنهى عنه بنص القرآن، وقد كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل أي يقامره على أهله وماله، فأيهما قمر صاحبه – أى غلبه ذهب بماله وأهله فنزلت أية النهى (73)، فكل معاملة يتحقق فيها معنى المقامرة أو المراهنة فهي حرام.
والغش : في كل صور المعاملات والتصرفات حرام فيدخل فيه كل محاولات إخفاء العيوب في المصنوعات والبضائع، كما يدخل فيه كل صور تزيينها واظهارها في وضع افضل من حقيقتها بالتدليس والخداع، وكل ما ينتج عن ذلك من أموال فهي حرام.
والغصب : استيلاء على مال الغير بغير حق، ففيه ظلم وقهر وتعد، وهو محرم بالكتاب والسنة والاجماع لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل.
والاحتكار : حبس ما يحتاجه الناس لإغلائه عليهم اضرارا بهم واستغلالا لحاجتهم واضطرارهم ففيه ظلم وسوء معاملة وشح وكل ذلك حرام وما ينتج عنه من مال ومكاسب فهو حرام وعلى ولى الأمر مقاومة ذلك ومصادرة هذه الأموال.
والرشوة : قصد لأكل أموال الناس بالإثم كما جاء في الآية الكريمة، ولكنها تشمل أيضا الحصول على ما ليس بحق مالا أو غيره لعموم أحاديث النهى عنها دفعا وأخذا وتوسطا بينهما، فكل ما يتم بذلك أو ينتج عنه فهو حرام.
والتجارة في المواد المحرمة والضارة كالخمر والميتة والخنزير والاصنام، ومن ذلك سائر المخدرات الحديثة، وتجارة السلاح وتهريبه، وتجارة الأطفال والنساء والبغاء والسهرات الحمراء والرقص والتمثيل والغناء والموسيقى غالبا، والاشرطة المخلة بالاداب، ومحال عرضها، وبيع الأشياء المباحة لمن يعلم أنه يستخدمها في الحرام، ومما يلحق بالمخدرات الأدخنة والقات، فكل هذه المعاملات وما يشبهها يدخل في الأموال المحرمة التي لا يجوز اكتسابها . أما الأصل الثانى الذى يرجع إليه تحريم بعض الأموال فهو تعدى حدود الله في الإنفاق بالإسراف والتبذير أو البخل والتقتير، وتمييز بعض الأبناء بعطية دون الآخرين بلا سبب شرعى، والتحايل على أحكام الله في الميراث بالوصية أو المواضعة على إظهار بيع أو دين صورى لأجنبى، او التهرب من إخراج الزكاة ببيعها قبل الحول ثم شرائها وهكذا .