وقائع الدعوى كما جاءت بالأوراق بدأت ببلاغ من المدعى بالحق المدنى، المجنى عليه، قال فيه إن المتهم تسلم مبلغ ١٥ ألف دولار على سبيل الأمانة لتوصيلها إلى أحد الأشخاص، وأن هذا الشخص توفى بعد تاريخ تسليم المبلغ بشهرين، فطلب المجنى عليه رد المبلغ بصفته وريثا شرعيا، وعندما امتنع المتهم عن الرد، أقام المجنى عليه الدعوى واتهمه فيها بخيانة الأمانة.
انه لما كان المقرر قانونا وطبقا لنص المادة ٣٤١ من قانون العقوبات أن «كل من بدد مبالغ أو غير ذلك إضرارا بمالكيها، وكانت الأشياء المذكورة سلمت له بصفته وكيلا بأجر أو مجانا يحكم عليه بالحبس».
وكان المستقر عليه بقضاء النقض أن «المحكمة فى جريمة خيانة الأمانة فى حل من التقيد بقواعد الإثبات المدنية عند القضاء بالبراءة لأن القانون لا يقيدها بتلك القواعد إلا عند الإدانة فى خصوص إثبات عقد الأمانة، والمحكمة غير ملزمة بأن ترد على كل دليل من أدلة الاتهام، لأن فى إغفال التحدث عنه ما يفيد حتما أنها لم تر فيه ما تطمئن معه إلى الحكم بالإدانة متى كانت قد أحاطت بالدعوى عن بصر وبصيرة».
ويكفى تشكك القاضى فى صحة إسناد القضية للقضاء بالبراءة بشرط تمحيص الدعوى والإحاطة بها عن بصر وبصيرة وإقامة قضائه على أسباب تحمله.
وعلى ذلك فإنه لا يصح إدانة المتهم بجريمة خيانة الأمانة، إلا إذا اقتنع القاضى بأنه تسلم المال بعقد من عقود الأمانة الواردة على سبيل الحصر فى المادة ٣٤١ من قانون العقوبات.
والأصل فى المحاكمات الجنائية أن العبرة فى الإثبات هى باقتناع القاضى بناء على التحقيقات التى يجريها بنفسه واطمئنانه إلى الأدلة التى عول عليها فى قضائه بإدانة المتهم أو براءته، فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ من أى بينة أو قرينة يرتاح لها دليلا لحكمه.
ولما كانت المحكمة، وإعمالا لسلطتها فى تقدير أدلة الدعوى، تطمئن إلى سلامة الأبحاث التى أجراها الخبير، وصحة الأسانيد التى استند عليها فى تقريره، من ثم فإنها تأخذ بتقرير الخبير محمولا على أسبابه وتعتبره مكملا لحكمها.
ولما كانت المحكمة قد اطلعت على كل ما تقدم، واطلعت على أوراق الدعوى وكل ما فيها من مستندات ومذكرات، وقد وقفت على جميع ظروف وملابسات واقعة الاتهام وبما لها من سلطة مطلقة فى تقدير الدليل ووزن قوته التدليلية، وقد وازنت بين أدلة الإثبات وأدلة النفى ودفاعات المتهم، ورجحت المحكمة دفاع المتهم من حيث انتفاء ركن التسليم للمبلغ المشار إليه فى صلب إيصال الأمانة سند الاتهام،
إذ وضح من تقرير الطب الشرعى والذى تطمئن إليه هذه المحكمة لسلامة الأسس التى بنى عليها أن المتهم لم يحرر بيانات صلب الإيصال وأن تلك البيانات قد تم تحريرها فى ظرف كتابى لاحق للتوقيع عليها، ومفاده أن واقعة التسليم للمبلغ النقدى المثبت بالإيصال حال التوقيع لم تحدث ولا يصح التعويل على ذلك الإيصال المقدم بالأوراق بشأن إثبات ذلك التسليم الذى انتفى بالمرة وخلت الأوراق من الدليل على حصوله،
إذ سلمت الورقة أو تم الحصول عليها موقعة على بياض لغرض آخر خلاف إثبات حصول ذلك التسليم، وإذا كان التسليم وهو قوام جريمة خيانة الأمانة قد انتفى وكذا انتفاء القصد الجنائى إذ إن التوقيع لم يكن بقصد التسلم للمبلغ المذكور أو الحصول على الوديعة وفقا للثابت بالإيصال فإن أركان تلك الجريمة تنهار برمتها ويضحى الاتهام على غير سند صحيح من الواقع والقانون.
ولا ينال من ذلك صحة توقيع المتهم على الورقة على بياض، إذ إنه لم يثبت تفويض المتهم للمجنى عليه على ملء البيانات عن واقعة التسليم والتسلم، وآية ذلك أن المجنى عليه لم يرتكن أو يذكر انه قام بملء الإيصال بعد واقعة التسليم ولا يجوز أن ينصرف التوقيع حين ذلك إلى تفويض قانونى لافتقاد ذلك أى سند من القانون مما يتعين معه القضاء ببراءة المتهم، وإذا لم يلتزم القضاء الطعين ذلك النظر فإنه يكون قد شابه الفساد فى الاستدلال والخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب متعينا إلغاؤه وهو ما تقضى به هذه المحكمة الاستئنافية.
ولهذه الأسباب حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددا ببراءة المتهم مما أسند إليه، وبرفض الدعوى المدنية، وألزمت رافعها بالمصروفات..