قد
كفل الدستور المصرى حماية حق الانسان فى الحياة الخاصة بمقتضى المادة (45)
التى اكدت ان (لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون ) واضافت الى
المادة (45) فقرة (2) قوله (للمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات
التليفونيه حرمة سريتها مكفولة ولا يجوز مصادرتها او الاطلاع عليها او
رقابتها الا بأمر قضائى مسبب ولمدة محدودة ومرفقاً لأحكام القانون .
وقد
احاط المشروع المصرى مسالة تسجيل المحادثات ومراقبة المكالمات التلفونيه
بما افصحت عنها المادة 95من قانون الاجراءات الجنائية وهى
اولاً
:لابد من وقوع فعل يعد فى نظر القانون جريمة جنائية او جنحه معاقب عليها
بالحبس مدة تزيد عن ثلاثة اشهر اي اشتراط ان تكون الجريمة على درجه معينة
من الخطورة وقد يثور تساؤل وهو انه قد يحدث ان لايكون تكيف الجريمة مؤكداُ
من الوهلة الاولى.
والرأى الصحيح والراجح فكرا وقضاءا هو انه يكفى
لتبرير الاتجاه لهذا الاجراء وهو الاذن بالمراقبة الاخذ بالظاهر. فاذا كان
ظاهر التكيف ينبأ عن كون الفعل جنايه او جنحة يعاقب عليها بالحبس مدة تزيد
عن ثلاثة اشهر جاز اجراء المراقبة او التسجيل متى توافرت باقى الشروط ومع
ذلك يذهب رأى الى ان الشك يفسر لصالح المتهم فينبغى الامتناع عن المراقبة
او التسجيل اذا ماثار شك حول تكيف الواقعة .
وهذا الرأى منتقد لان
الشك اثناء اجراءات التحقيق يختلف حكمه عن الشك عند اصدار الاحكام او
تسيبها ثم ان مجال اعمال هذه القاعده عند تقديم ادلة الثبوت والادانة فى
دائرة اقتناع القاضى الجنائى عند اصدار الحكم ولا مجال لها عند تفسير
القواعد القانونية والاجرائية .
واخيرافأن الاصل فى الاعمال الاجرائية انها تجرى على حكم الظاهروهى لاتبطل من يعد نزولاً على ما يتكشف من امر الواقع .
ولقد
استقر قضاء النقد المصرى على ان الاخذ بالظاهر لا يوجد بطلان العمل
الاجرائى الذى يتم على مقتضاه وذلك تيسيراً لتنفيذ احكام القانون وتحقيقاً
للعدالة حتى لا يفلت الجناة من العقاب .
ثانياً: اوجب المشرع ان
تكون مراقبة المحادثات التليفونية وتسجيل الاحاديث الشخصية بأذن من قاضى
التحقيق , فلا يجوز للنيابة العامة ان تأذن بمراقبة وتسجيل الاحاديث
الخاصة او التليفونية الا بعد استأذان القاضى الجزئى المختص. ويصدر القاضى
الجزئى اذنه بعد اطلاعه على الاوراق فإذا كان قاضى التحقيق هو الذى باشر
التحقيق فيكون وحده مختصاً بالأذن بالوضع تحت المراقبة .اما اذا كان
التحقيق فى يد النيابة العامة فيصدر الاذن من القاضى الجزئى .
وتكون
سلطة القاضى الجزئى فى هذه الحالة هو مجرد اصدار الاذن او رفضه دون ان
يكون له ولاية القيام بمباشرة موضوع الاذن بنفسه , اذ ان هذا من شأن
النيابة العامة سلطة التحقيق وهى فى ذلك اما ان تقوم به بنفسها او تنتدب
لذلك من تختاره من مأمور الضبط القضائى المختصين (المادة 200اجراءات
جنائية )
كمالايجوز للقاضى الجزئى ان يخاطب مأمور الضبط القضائى
مباشرة لتنفيذ هذا الاجراء انما عليه ان يأذن للنيابة العامه صاحبة
الولاية العامة فى التحقيق وهى بدورها تقوم بندب من تراه من مأمورى الضبط
القضائى المختصين اذا لم ترغب فى القيام بهذا الاجراء بنفسها .
......................................
قوة الدليل المستمد من مراقبة المحادثات التليفونية كدليل ادانة فى الحكم الجنائى .
ان
الاتجاه الشائع والمسيطر فى الفكر الجنائى الحديث يرى الاخذ بمبدأ حرية
الاثبات فى المواد الجنائية ,بمعنى ان القاضى الجنائى حر فى ان يستعين
بكافة طرق الاثبات للبحث عن الحقيقة والكشف عنها,اذ لا يجوز ان يقنع بفحص
الادلة التى يقدمها له اطراف الدعوة .فأن للقاضى الجنائى ان يتحرى بنفسه
الادلة وأن يأمر باتخاذ الاجراء الذى يراه مناسباً وضرورياً للفصل فى
الدعوة .
والركيزة الثانية لهذا الاتجاه هو حرية القاضى الجنائى فى تقديرعناصرالاثبات التى يستمد منها اقتناعه.
لقد
استقرفقهاء النقد المصرى على هذا المبدأ اذا قالت (ان العبرة فى الاثبات
فى المواد الجنائية هى باقتناع المحكمة واطمئنانها الى الدليل).
إلا
ان هذا الاقتناع يجب ان يكون منتقياً بعيد عن التحكم القضائى بل ان القاضى
ملتزم بأن ان يتحرى المنطق الدقيق فى تفكيره بحيث اذا اعتمد فى تفكيره على
اساليب ينكرها المنطق السليم كان لمحكمة النقد ان ترد اليه .
كما
لايجوز ان يتخذ من مراقبة المحادثات التليفونية والتسجيلات الخاصة وسيلة
لاكتشاف الجرائم وضبط مرتكبيها لأن محل هذا هو جمع الاستدلالات بما يوصم
هذه الاذون بالبطلان ويبطل الدليل المستمد من هذه الأذون فلايعول عليها
القاضى كدليل ادانة .
كمايشترط ان يصدر الاذن بالمراقبة التليفونية
والتسجيلات الخاصة بناءاً على تحريات جدية وان تقوم دلائل قويه ضد شخص
معين بأنه قام بارتكاب جناية او جنحة معاقب عليها بالحبس .
ويمكن الاستناد الى الدليل الناجم عن هذا الاجراء كدليل ادانه فى الحكم الجنائى
.......................
وقد تبين بدراسة معظم القضايا وصدور احكام محكمة النقض الاتى .
اولاً:ان
النيابة عامة بعد استصدارها اذن القاضى الجزئى المختص تندب احد مأمورى
الضبط القضائى لتنفذ هذا الاذن وتنقطع صلتها بما يتخذه مأمور الضبط
القضائى .من اجراءات فنية لتنفيذ اذن النيابة ولا تبسط رقابتها على هذه
الاجراءات مع انها صاحبة الولاية الاصلية فى هذا الامر .
ثانياً :
ان النيابة العامة لاتطلع على الشرائط الشريط الخام( الكيان المادى التى
تحفظ فيها المحادثات التليفونية التى اذنت بمراقبتها قبل قيام مامورى
الضبط القضائى بالتسجيل).
ثالثاً أن الشرائط التى تستخدم فى
التسجيل المحادثات الكيان المادى تظل منذ البدء فى المراقبة التليفونية
حتى تقديها فى النيابة العامة بعيدة عن سيطرة سلطات التحقيق.غير معلوم
مكان حفظها ، مما يجعلها عرضة للتلاعب والعبث بها وهى الكيان المادى
للدليل خاصة وأن التقدم العلمى الحديث قد أظهر تفوقاكبيرا فى عمليات
المونتاج أى تركيب الأصوات والكلمات والإضافة إليها ومحو جزء منها ... إلخ
مثال ذلك ما اذيع من خلال إذاعة اسرائيل اثناء وعقب حرب 1967 من
تسجيلات بصوت الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عبارة عن تصريحات خطيرة لم
تصدر منه وتبين أن الفنيين بإذاعة اسرائيل وفى جهاز المخابرات الموساد –
قاموا بعمل منتاج لخطب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تؤدى المعنى الذى
اذيعت به اثناء وعقب حرب 1967
ايضا لا يمكن بهذا الأسلوب معرفة ما إذا كانت هذه المحادثات قد سجلت فى وقت سابق أو لاحق على صدور الإذن بالمراقبة.
ويمكن التعليق على ما تقدم بامرين .
الأمر
الأول: يؤخذ على مراقبة المحادثات التليفونية أنه لا يوجد ما يؤكد صدق
الحديث مما نسب إليه وخاصة اذا تشابهت الأصوات ، ومن السهل أن يستعمل
الغير تليفون المتهم فى غيبته ويزعم أنه متهم ومن ثم يجب التحرز فى قبول
هذا الدليل لما يلابسه من شكوك .
فليس هناك ما يؤكد صدور الحديث مما نسب إليه خصوصا إذا كانت الأصوات تتشابه .
الأمر
الثانى : يمكن للأخصائيين فى التسجيل حذف حرف واحد أو كلمة واحده أو إعادة
ترتيب الجمل فى الحديث بمهارة فائقة فيتغير المعنى الأصلى.
هذه
الصعاب الفنية والعلمية هى التى تقف عادة عقبة أمام رجال القانون والقضاء
عند محاولتهم تقدير الدليل المستمد من هذه الأجهزة فيجعلهم يتحرزون فى
قبول هذا الدليل لما يحتويه من شكوك .
..........................
الا
ان حكم النقض التالى والذى اورده لنا الزميل الفاضل حاتم عبد الله ارسى
مبدا ان تسجيل المجنى عليه للمحادثه لا يحتاج لاذن قضائى كما سنرى بعد .
باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة الجنائية
الخميس (أ)
المؤلفة برئاسة السيد المستشار / د . عادل قورة نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين / احمد عبد الرحمن وفيق الدهشان
السعيد برغوث محمد عيد محجوب
(نواب رئيس المحكمة)
وحضور رئيس النيابة العامة لدي محكمة النقض السيد / حازم عبد الرؤوف
وأمين السر / عادل عبد المقصود
في الجلسة العلنية المعقودة بمقر المحكمة بمدينة القاهرة
في يوم الخميس 14 من صفر سنة 1421 هـ الموافق 18 من مايو سنة 2000 م
أصدرت الحكم الآتي
في الطعن المقيد في جدول النيابة برقم 22340 لسنة 1992 وبجدول المحكمة برقم 22340 لسنة 62 القضائية .
المرفوع من :........................... و ..............................
مدعيان بالحقوق المدنية
ضــد
......................و..........................
مطعون ضدهما
الوقائــع
أقام
المدعيان بالحقوق المدنية دعواهما بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنح
قسم دمنهور " قيدت بجدولها برقم 613 لسنة 1988 " ضد المطعون ضدهما بوصف
أنهما في غضون شهر نوفمبر سنة 1987 بدائرة قسم دمنهور - محافظة البحيرة
أولا : المتهم الأول سب المجني عليه (................)بالألفاظ المسجلة
بصوته على شريط . ثانيا : المتهمة الثانية قذفت وسبت المجني عليه
(.................)بالألفاظ النابية المسجلة بصوتها على شريط وطلبت
معاقبتهما بالمواد 302 ,305 ,306 من قانون العقوبات وإلزامهما بأن يدفعا
لهما مبلغ مائه وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت .
والمحكمة
المذكورة قضت حضورياً في 13 من فبراير سنة 1991 عملا بمواد الاتهام بحبس
كل متهم شهراً مع الشغل وكفالة خمسين جنيها لإيقاف التنفيذ وإلزامها بأن
يؤديا للمدعين بالحقوق المدنية مبلغ مائه وواحد جنيه على سبيل التعويض
المؤقت .
استأنفا وقيدا استئنافها برقم 5238 لسنة 1991 .
ومحكمة
دمنهور الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا في 6 من يوينة سنة 1991
بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهمين
مما أسند إليهما وبرفض الدعوى المدنية .
فطعن الأستاذ /
..................المحامى نيابة عن المدعيين بالحقوق المدنية في هذا
الحكم بطريق النقض في 9 يولية سنة 1991 وأودعت أسباب الطعن في 14 من ذات
الشهر موقعا عليها من الأستاذ / ......................... المحامى .
وبجلسة اليوم نظرت المحكمة الطعن معقودة في هيئة "غرفة مشورة" حيث سمعت المرافعة على ما هو مبين بالمحضر .
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانونا .
من حيث إن الطعن استوفي الشكل المقرر في القانون .
ومن
حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضي بإلغاء الحكم
المستأنف وبراءة المطعون ضدهما عن جريمة السب بطريق التليفون وبرفض
دعواهما المدنية قد شابه الخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه أطرح الدليل
المستمد من التسجيلات التي تمت بمعرفتها عبر التليفون الخاص بهما والتي
تضمنت عبارات السب الصادرة من المطعون ضدهما على سند من أن تلك التسجيلات
قد تمت دون الحصول على إذن من الجهة التي ناط القانون ذلك الأمر , مما
يعيب الحكم وستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه عرض لواقعة
الدعوى . بما مفاده أن المطعون ضدهما وجها عبارات سب للطاعنين عن طريق
التليفون وأضاف الحكم أنه "قد تم تسجيل تلك العبارات بمعرفة المدعيين
بالحقوق المدنية على شريط وقد تثبت من تفريغ الشريط الذي تضمن عبارات السب
مطابقته لأصوات المتهمين " ثم عرض الحكم للدليل المستمد من التسجيلات
وأطرحه في قوله " لما كان الثابت من الأوراق أن تسجيل المكالمات
التليفونية التي استند إليها المدعيان بالحقوق المدنية كدليل في الأوراق
قد تم الحصول على الأذن المسبب من القاضي الجزئي المختص وفقا لصحيح
القانون ومن ثم فلا يجوز الاستناد إليه كدليل . ويكون دفع المتهمين في هذا
الصدد قد جاء متفقا وصحيح القانون "لما كان ذلك , وكان نص المادة 95 مكررا
من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى " على انه لرئيس المحكمة الابتدائية
المختصة في حالة قيام دلائل قوية على انه مرتكب إحدى الجرائم المنصوص
عليها في المادتين 66 مكررا 308 مكررا من قانون العقوبات قد استعان في
ارتكابها بجهاز تليفوني معين إن يأمر بناء على تقرير مدير عام مصلحة
التلغراف والتليفونات وشكوى المجني عليه في الجريمة المذكورة بوضعه تحت
الرقابة للمدة التي يحددها " ومفاد ذلك , بصريح النص وواضح دلالته , لن
المشروع تطلب مباشرة الإجراءات المبينة بالمادة المار ذكرها , كي يوضع تحت
المراقبة التليفون الذي استعان به الجاني في توجيه ألفاظ السب والقذف إلى
المجني عليه , بحسبان أن تلك الإجراءات فرضت ضمانه لحماية الحياة الخاصة
والأحاديث الشخصية للمتهم , ومن ثم فلا تسرى تلك الإجراءات على تسجيل
ألفاظ السب والقذف من تليفون المجني عليه الذي يكون له , بإرادته وحدها
ودون حاجة إلى الحصول على إذن من رئيس المحكمة الابتدائية تسجيلها , بغير
أن يعد ذلك اعتداء على الحياة الخاصة لأحد , ومن ثم فلا جناح على المدعيين
بالحقوق المدنية إذ وضعا على خط التليفون الخاص بهما جهاز تسجيل لضبط
ألفاظ السباب الموجة إليهم توصلا إلى التعرف على شخص من اعتاد على توجيه
ألفاظ السباب والقذف اليهما عن طريق الهاتف .لما كان ذلك ,وكان الحكم
المطعون فيه قد انتهى إلى بطلان الدليل المستمد من الشريط المسجل بمعرفة
المدعيين بالحقوق المدنية من جهاز التليفون الخاص بهما فانه يكون قد أخطا
في تطبيق القانون بما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة بالنسبة للدعوى المدنية
وإلزام المطعون ضدها المصاريف المدنية .
فلهذه الأسباب
حكمت
المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة
للدعوى المدنية وإعادة القضية إلى محكمة دمنهور الابتدائية لتحكم فيها من
جديد بهيئة استئنافية أخرى وألزمت المطعون ضدهما المصروفات المدنية .
أمين السر نائب رئيس المحكمه